ترجمة: سماح جعفر
في البداية اتسمت
كافة ترتيبات بناء برج بابل بنظام جيد إلى حد ما، بل ربما كان النظام مثاليًا جدًا؛
اهتمام كبير أعطي للمرشدين، المترجمين الفوريين، ترتيبات إقامة العمال، طرق
الاتصال، كما لو كانت ستمر قرون قبل أن يتم البدء بهذا العمل. في الواقع، كان
الرأي العام في ذلك الوقت يقول أن المرء ببساطة لا يمكنه أن يقوم بالبناء ببطء
شديد؛ قليل جدًا من الإصرار على ذلك قد يكون كافيًا لجعل المرء مترددًا في وضع
الأساسات على الإطلاق.
تجادل الناس بهذه
الطريقة: إن الجزء الأساسي في العمل كله هو فكرة بناء برج يصل إلى
السماء. وبالمقارنة مع هذه الفكرة فكل شيء آخر يبدو ثانويًا. الفكرة، ما
أن يضبط مداها، لن تختفي ثانية أبدًا.
مرة أخرى؛ طالما أن
هناك رجال على الأرض سوف تكون هناك أيضًا رغبة لا تقاوم في إكمال البناء. لمَّا
كان الأمر كذلك، على كل حال، لا يجب على المرء أن يحس بخوف من المستقبل؛ بل على
العكس، المعرفة الإنسانية في تزايد مستمر، فن العمارة قد أحرز تقدمًا وسوف يحرز
المزيد من التقدم، قطعة العمل التي قد تحتاج منا إلى سنة كاملة ربما يمكننا
تنفيذها في نصف المدة خلال مئة عام، وبشكل أفضل أيضًا، وستكون قوة تحملها أكبر.
فلماذا يبذل المرء
نفسه إلى الحدود القصوى لقوته الحالية؟ سيكون هناك بعض المنطق في فعل ذلك إذا كان
من المرجح أن يكتمل البرج خلال جيل واحد. ولكن هذا احتمال بعيد. ومن
المرجح جدًا أن الجيل القادم بمعرفته الكاملة سوف يجد عمل أسلافه سيئًا، وسيهدم ما
تم بناءه وذلك للبدء من جديد. مثل هذه الأفكار تشل قدرات الناس، لذا فسوف
يقلقون بشكل أقل حول البرج وبشكل أكبر حول تشييد مدينة للعمال.
كل القوميات أرادت
الحصة الأفضل لنفسها، وهذا أدى إلى نزاعات، والتي تطورت إلى صراعات دموية. هذه
الصراعات لم تصل إلى نهاية أبدًا؛ إلى القادة الذين كانوا دليلًا جديدًا على ذلك،
أنه في غياب الوحدة الضرورية؛ بناء البرج سيتم ببطء شديد، أو سيكون من الأفضل
تأجيله حتى يعلن السلام العالمي.
ولكن الوقت لم يكن
ينفق في الصراع فقط؛ كانت المدينة مزخرفة بالفواصل الزمنية، وهذا للأسف كان كافيًا
لإثارة حسد طازج وصراع جديد. بهذه الطريقة مضى عصر الجيل الأول، ولم يحدث إي
فرق؛ إلا أن المهارات التقنية ازدادت وازدادت معها فرص الصراع. يجب أن يضاف
إلى هذا أن الجيل الثاني والثالث أدرك أن بناء برج يصل إلى السماء كان أمرًا لا
عقلانيًا؛ ولكن بحلول ذلك الوقت كان الجميع منخرطين بعمق في مغادرة المدينة.
كل الأساطير والأغاني
التي ولدت في تلك المدينة كانت مليئة بالتوق لليوم المنشود حين ستدمر المدينة بخمس
ضربات متتالية من قبضة عملاقة. ولهذا السبب أيضًا كان للمدينة قبضة مقفلة في
شعارها.
*من كتاب القصص الكاملة لفرانز كافكا
ترجمها إلى الإنجليزية ويلا وإدوين موير
No comments:
Post a Comment