ترجمة: سماح جعفر
*من رواية 1984
1. "ادعى الحزب، بطبيعة الحال، تحرير الطبقة العاملة من العبودية. فقبل الثورة كانوا يتعرضون لاضطهاد بشع من قبل الرأسماليين، كانوا يتعرضون للتجويع والجلد، والنسوة كن يجبرن على العمل في مناجم الفحم (النسوة ما زلن يعملن في مناجم الفحم، كما واقع الأمر)، الأطفال كان يتم بيعهم للمصانع في السادسة من العمر، ولكن في الوقت نفسه، ووفاء لمبادئ التفكير المزدوج، كان الحزب يؤكد أن الطبقة العاملة كانت وضيعة بالفطرة ويجب أن تُبقى خاضعة مثل الحيوانات، من خلال تطبيق بعض القواعد البسيطة.
في الواقع كان ما يعرف عن الطبقة العاملة قليل جدًا. لم يكن من الضروري أن تعرف الكثير. طالما استمروا في العمل والتوالد، فأنشطتهم الأخرى ليست ذات أهمية. لذا فقد تركوا لحالهم، مثلما تترك الماشية طليقة على سهول الأرجنتين، وعادوا إلى نمط الحياة الذي يبدو طبيعيًا بالنسبة لهم، نمط الأسلاف. لقد كانوا يولدون، وينشأون في المزاريب، ويبدأون العمل عندما يبلغون الاثني عشر عامًا، ويمرون خلال فترة وجيزة من الجمال والرغبة الجنسية، يتزوجون في العشرين، يبلغون منتصف العمر في الثلاثين، ومعظمهم يموتون في الستين. العمل البدني العنيف، رعاية البيت والأطفال، المشاجرات الصغيرة مع الجيران، الأفلام، كرة القدم، البيرة، وقبل كل شيء القمار، هو كل ما يملأ عقولهم. لذا فالسيطرة عليهم لم تكن صعبة. بعض معاوني شرطة الفكر كانوا يتنقلون دائمًا بينهم، ينشرون الشائعات الكاذبة ويقصون الأفراد الذين يتم تصنيفهم على أنهم ربما يكونون خطيرن؛ ولكن لم تُبذل أي محاولة لتلقينهم أيديولوجية الحزب. لأنه لم يكن مرغوبًا أن يكون للعوام مشاعر سياسية قوية. كانت الوطنية البدائية هي كل ما هو مطلوب منهم والتي يمكن مناشدتها كلما كان ذلك ضروريًا لجعلهم يتقبلون ساعات عمل أطول أو حصص تموينية أقل. وحتى عندما يصبحون ساخطين، كما يحدث أحيانًا، فإن سخطهم لا يؤدي إلى أي شيء، لأن كونهم دون أفكار عامة، فإن ذلك يجعلهم يركزون فقط على مظالم محددة صغيرة. لأن الشرور الكبرى دائمًا ما تفلت من ملاحظتهم".
2. ولكن كان من الواضح أيضًا أن الزيادة الشاملة في الثروة تهدد بتدمير - بالتأكيد، وإلى حد معين - المجتمع الهرمي.
في عالم يعمل فيه الجميع ساعات قصيرة، لديهم ما يكفي لتناول الطعام، يعيشون في منزل به حمام وثلاجة، ويمتلكون سيارة أو حتى طائرة، فإن أكثر أشكال عدم المساواة وضوحًا سوف تختفى. إذا أصبحت الثروة لمرة واحدة للعامة فإنها لن تمنح أي تمييز.
كان من الممكن، لا شك، أن نتصور مجتمعًا حيث الثروة، المتمثلة في الممتلكات الشخصية والكماليات، ينبغي أن توزع بالتساوي، بينما تظل السلطة في أيدي طائفة صغيرة متميزة. ولكن في الواقع مثل هذا المجتمع لا يمكن أن يبقى مستقرًا لوقت طويل. لأنه إذا تتمتع الجميع بالرفاهية والأمن على حد سواء، فإن السواد الأعظم من البشر الذين هم مخدرون عادة بسبب الفقر سيصبحون مثقفين ويتعلمون استخدام أصواتهم الخاصة؛ وحالما يفعلون هذا، فإنهم عاجلًا أم آجلًا سوف يدركون أن الأقلية المتميزة ليس لديها وظيفة، وسوف يكنسهونها بعيدًا.
وعلى المدى الطويل، فإن المجتمع الهرمي ممكن فقط على أساس من الفقر والجهل. أما العودة إلى الماضي الزراعي، كما كان يحلم بعض المفكرين في بداية القرن العشرين، فإن ذلك ليس حلًا عمليًا. لأنه يتعارض مع الاتجاه نحو الميكنة التي أصبحت شبه غريزية في جميع أنحاء العالم تقريبًا، وعلاوة على ذلك، فإن أي بلد ظلت متخلفة صناعيًا أصبحت ضعيفة من الناحية العسكرية وأصبحت عرضة للهيمنة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق خصومها الأكثر تقدمًا .
لم يكن إبقاء الجماهير في حالة من الفقر من خلال الحد من إنتاج السلع حلًا مرضيًا. حدث هذا إلى حد كبير خلال المرحلة النهائية للرأسمالية، تقريبًا بين 1920 و 1940. فقد تعرض اقتصاد العديد من البلدان إلى الركود، لم تستصلح الأراضي، ولم يتم إضافة المعدات الرأسمالية، كتل كبيرة من السكان منعت من العمل وتم إبقائهم بالكاد على قيد الحياة بواسطة الإعانات الحكومية. ولكن هذا أيضًا، استتبعه الضعف العسكري، وحيث أن الحرمان الذي ألحق بهم كان غير ضروري، لذلك فقد كانت معارضته أمرًا محتومًا.
كانت المشكلة في كيفية الحفاظ على عجلة الصناعة دون زيادة الثروة الحقيقية للعالم. يجب أن تنتج السلع، ولكن يجب أن لا يتم توزيعها. عمليًا كان السبيل الوحيد لتحقيق ذلك عن طريق الحرب المستمرة.
الهدف الأساسي من الحرب هو التدمير، ليس بالضرورة حياة الإنسان، بل منتجات العمل البشري. من حيث المبدأ فإن المجهود الحربي مخطط له ليلتهم أي فائض قد يكون موجودًا لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. عمليًا، احتياجات السكان دائمًا ما يستخف بها، ونتيجة لذلك هناك نقص مزمن في نصف ضرورات الحياة؛ رغم ذلك ينظر لهذا الأمر على أنه ميزة. إنها سياسة متعمدة للحفاظ على المجموعات المختارة في مكان ما بالقرب من حافة المشقة، لأن الحالة العامة للندرة تزيد من أهمية الامتيازات الصغيرة وبالتالي تضخم التمييز بين مجموعة وأخرى".
3. "الطاعة ليست كافية. إن لم يكن الشخص يعاني، كيف يمكنك أن تكون على يقين من أنه خاضع لإرادتك وليس لإرادته الخاصة؟ فالسلطة هي إلحاق الألم والإذلال، السلطة هي تمزيق عقول البشر إلى أشلاء ووضعها معًا مرة أخرى في أشكال جديدة من اختيارك. هل بدأت ترى نوع العالم الذي نقوم بإنشائه؟ إنه نقيض اليوتوبيا الممتعة الغبية التي تصورها الإصلاحيين القدامى. عالم من الخوف والغدر والعذاب ، عالم أن تدوس وأن تداس بالأقدام، هذا العالم الذي سوف يزداد قسوة بينما يهذب نفسه.
التقدم في عالمنا سوف يكون تقدمًا نحو مزيد من الألم. الحضارات القديمة زعمت أنها أُسست على الحب أو العدالة. ولكن خاصتنا أُسست على الكراهية. في عالمنا لن يكون هناك عواطف إلا الخوف، الغضب، الانتصار، وتحقير الذات. كل شيء آخر يجب علينا تدميره - كل شيء. إننا بالفعل نكسر عادات التفكير التي بقيت من قبل الثورة. لقد قطعنا الروابط بين الطفل والأم، وبين الإنسان والإنسان، وبين الرجل والمرأة. لا أحد يجرؤ على الثقة في زوجة أو طفل أو صديق بعد الآن. ولكن في المستقبل لن يكون هناك زوجات ولا أصدقاء. سوف يؤخذ الأطفال من أمهاتهم عند الولادة، كما نأخذ البيض من الدجاجة.
سيتم القضاء على غريزة الجنس. والإنجاب سيكون إجراءً سنويًا مثل تجديد البطاقة التموينية. وسنعمل على إلغاء النشوة. لدينا أطباء أعصاب يعملون على الأمر الآن. لن يكون هناك ولاء، إلا الولاء للحزب. لن يكون هناك حب، إلا حب الأخ الأكبر. لن يكون هناك ضحك، إلا ضحكة الانتصار على عدو مهزوم. لن يكون هناك فن، لا أدب، لا علم. عندما نملك السلطة والنفوذ لن نكون بحاجة إلى المزيد من العلم. لن يكون هناك تمييز بين الجمال والقبح. لن يكون هناك فضول، ولا تمتع بسيرورة الحياة. وسيتم تدمير كل الملذات المتنافسة. ولكن دائمًا - لا تنسى هذا وينستون - دائمًا ستكون هناك نشوة السلطة، والتي سوف تتزايد وتزدهر. دائمًا، في كل لحظة، ستكون هناك لذة الفوز، وإحساس التعدي على العدو العاجز. إذا كنت تريد صورة للمستقبل، تخيل حذاء يدوس على الوجه البشري - إلى الأبد".
4. "بينما يندفعان على الأرصفة المزدحمة، غير متقاربين تمامًا ولا ينظران إلى بعضهما البعض، ويقودان بفضولية، محادثة متذبذبة تومض على نحو متقطع مثل أشعة منارة، يقطعها فجأة اقتراب أحد أعضاء الحزب في زيه الموحد أو مرورهما قرب شاشة رصد، ثم يواصلان حديثهما بعد دقائق في منتصف الجملة التي قطعا الحديث عندها، ثم يصمتان فجأة ويفترقان في المكان المتفق عليه ليواصلا تقريبًا من حيث توقفا في اليوم التالي. بدت جوليا معتادة تمامًا على هذا النوع من الحوار، الذي وصفته ب "الحديث بالتقسيط".
No comments:
Post a Comment