ترجمة: سماح جعفر
في شتاء وربيع عام 1981م، كان السجناء اليساريين نشطين جداً، وحاولوا دفع قضيتهم من خلال رفع الشعارات وغناء أناشيد الحزب، كانت النتيجة النهائية أن الحراس داهموا الزنازين ذات يوم، وضربوا الجميع بشدة، ونقلوا فريده إلى الحبس الانفرادي دون سبب محدد. ثبتوها أمام أحد النوافذ وأخذوا يرددون شعاراتهم ويقرأون القرآن بصوت غير سار يصم الأذان.
أول شيء عليك فعله
عندما تدخلين الزنزانة هو أن تصنعي تقويماً، منذ اليوم الأول، لأنكِ تفقدين مسار
الأيام عندما تكونين في الحبس الانفرادي فالضوء يكون ساطعاً طوال الـ 24 ساعة، وهو
ضوء لامع جداً - هم لا يطفئون الأنوار أبداً، وفي حالتي كنت محبوسة في زنزانة الإعدام
التي بها ثلاثة أبواب.
لن أنسى أبداً،
طالما حييت، الكوابيس التي عانيت نتيجة الصرخات اليومية الخارقة للسجينات جراء
العقاب البدني الوحشي الذي يلحق بهن. بينما ينزل سوط القصب عليهن، وأحياناً خرطوم
، تشعر وكأنه يمزق جسدك بلا رحمة. من الصعب أن نتخيل أن يُلحق بالنساء هذا القدر
الكبير من العقاب. لقد ذرفت الدموع كثيراً وأنا غير مدركة، وغالباً ما كنت أنسى
حتى مسحها.
تم نشر هذه الرسائل
التي قامت بكتابتها نساء عشن تجربة السجن في أماكن مختلفة من العالم ضمن فعالية
"كتابات من أماكن عدائية: عن مؤسسة السجن"، في "اختـيـار"
والتي هي، مساحة مفتوحة لتبادل الأفكار والتفاعل المعرفي بين المهتمين والمهتمات
لمناقشة قضايا النوع الاجتماعي وتطوير الإنتاج المعرفي من منظور محلي.
شهرنوش پارسی پور
في شتاء وربيع عام 1981م، كان السجناء اليساريين نشطين جداً، وحاولوا دفع قضيتهم من خلال رفع الشعارات وغناء أناشيد الحزب، كانت النتيجة النهائية أن الحراس داهموا الزنازين ذات يوم، وضربوا الجميع بشدة، ونقلوا فريده إلى الحبس الانفرادي دون سبب محدد. ثبتوها أمام أحد النوافذ وأخذوا يرددون شعاراتهم ويقرأون القرآن بصوت غير سار يصم الأذان.
لأولئك الذين يعرفون،
حتى في الحبس الانفرادي، واصلت فريده ترديد الشعارات وكتابتها بقلم رصاص على
الجدران. في النهاية، تنكر بعض الحراس في زي سجناء ووضعوا في الزنزانة قبالتها،
لاحقاً أخبرتهم فريده أنها تدربت على الرماية بالأسلحة النارية في الجبال. في
اليوم الذي تلى ذلك الذي رأيتها فيه، في فترة ما بعد الظهر، ظهرت التقارير حول
تنفيذ الأعدام على فريده شمشيري في الصحف. الأخبار صدمت الجميع.
بدت هولو كاسمها. أخبرتها أنني سأكون سعيدة لو عرفت اسمها الحقيقي. والدموع في عينيها، قالت أنها ماتت مسبقاً أربع مرات. منذ القبض عليها حتى وصولها إلى زنزانتنا، قالت أنها تعرضت لأربعة إعدامات خيالية، حيث تظاهر الحراس أن السجناء كانوا في طريقهم لينفذ فيهم حكم الإعدام ولكن في آخر لحظة لم يطلقوا عليهم الرصاص. أولها كانت عندما قام الحرس الثوري باقتحام الشاحنة التي كانت تنقلها مرتين وتظاهروا بأنهم يريدون فتح النار على السجناء. والثانية عندما صُفت هي وسجناء آخرين على طول الجدار ورمت عليهم فرقة الإعدام قذائف رصاص فارغة. لا أستطيع أن أتذكر الحادث الرابع. بدا وكأن شيئاً مات داخلها. كانت في الخمسة عشر. مرة أخرى استُهلكت بالغضب المكبوت. كنت غير قادرة على فهم لمَ كانوا يلحقون مثل هذه الفظائع بشباب البلاد.
أنجيلا دايفس
اكتشفت في وقت لاحق،
أن لا شيء على الإطلاق مسموح به داخل الزنزانة- السجائر وأعواد الثقاب ليست هي
الشيء الوحيد المحظور، ولكن أيضاً الكتب، مواد الكتابة، فُرش الأسنان، الصابون،
المناشف والأحذية. قبل أن تحبس في زنزانتها، يتم فحص كل سجينة دائماً للتأكد من
أنها خلعت ملابسها الداخلية ولا ترتدي أي شيء عدا ثوب النوم الأخضر الخفيف الواهي
الذي قدموه لها. الكتاب أو المجلة؟ كيف يمكن أن يتم استخدامهم لإلحاق الأذى
بالمرء؟ وورق التواليت؟ لا يمكننا أن نبقي حتى لفافة من ورق التواليت في الزنزانة
مثل الرضع الخاضعين، في كل مرة أردنا استخدام المرحاض. كان علينا أن ندعو الضابط
لتجلب لنا الورق.
أساتا أولوغبالا شكور
واحدة من أتعس
القواعد هي حظر الأطفال من زيارة أمهاتهم في السجن. كنت أرى الأطفال ينتظرون
بالخارج، ينظرون إلى المبنى القديم القبيح بوجوه حزينة ومحبطة. أمهاتهم يركضون نحو
النافذة الوحيدة التي تواجه موقف السيارات للحصول فقط على لمحة من أطفالهم. الصراخ
من النافذة كان غير مسموح به، ولكن بين الحين والآخر ينجرف شخص ما. أحياناً تمضي
صرخاتهم المحمومة دون أن تسمع.
يوم ما أحضروا لي
مكيالاً كبيراً من الفاصوليا. (يزرعون الكثير من الطعام في الإصلاحية. الرجال
يعملون في الحقل). "هيا نريد منك لقف هذه الفاصوليا."
"كم ستدفعين
لي؟" سألت
"نحن لا ندفع
للسجناء، ولكن لو لقفتي هذه الفاصوليا سوف نبقي بابك مفتوحاً أثناء لقفك
لها".
"لن أعمل دون
مقابل. لن أكون عبدة لأي أحد. ألا تعلمين أن العبودية حظرت؟"
"لا،" قالت
الحارسة، أنتِ مخطئة. حظرت العبودية باستثناء السجون. العبودية هي أمر قانوني في
السجون".
بحثت في الأمر
وبالتأكيد كانت محقة.
تمركز حراس على باب
زنزانتي أربع وعشرين ساعة في اليوم. كانت وظيفتهم الجلوس والنظر داخل الزنزانة.
بإمكانهم رؤية كل خطوة أقوم بها. في اليوم الأول نقلت السرير قبالة الجدار، بعيداً
عن رقابة الحراس لكي أتمكن من الحصول على القليل من الخصوصية حين أكون نائمة.
أمرنني بتحريك السرير إلى وسط الزنزانة. لكنني رفضت. في اليوم التالي، ثبت العمال
السرير على الأرض في وسط الزنزانة.
كانوا يحملقون من
خلال نافذة الحمام عندما أكون في المرحاض أو عندما استحم. عندما كنت أغطي ثقب
الباب بمنشفة أو زي السجن، كانوا يأمرونني بإزالته وهددوني بأنهم سيأخذون بعيداً
المناشف والزي إذا واصلت تغطية النافذة. لم أرفض، ولكنني ببساطة تجاهلتهم. بعد
فترة استسلموا. بعد شهر أحد الرقباء قالت لي أنه بإمكاني تغطية النافذة عندما
استعمل الحمام، ولكن فقط لمدة ثلاث دقائق.
كانت المرحلة
الأخيرة هي "البحث" كل النساء اللاتي أتين إلى هذا المبنى مروا خلال هذه
العملية، حتى لو لم يكُن في أي مكان سوى المحكمة. جوان بيرد وأفيني شكور أخبرنني
عن الأمر بعد أن خرجن بكفالة في المحاكمة الواحد والعشرين للنمور. عندما أخبرنني،
كنت فزعة.
"هل تعنين أنهم
يضعون أيديهم داخلك بالفعل، لكي يفتشوكِ؟" سألت.
"هاها"
أجبن. أي امرأة كانت في الصخرة، أو في منزل الاحتجاز، تستطيع إخبارك عن الأمر.
النساء يدعونها "بعبصة الأصبع" أو، بشكل فظ أكثر، "النيك
بالأصبع".
"ما الذي يحدث
لو أنك رفضتِ؟" سألت أفيني.
"يقفلونك في
الحفرة ولا يخرجونك حتى توافقي على الخضوع للبحث".
فكرت في الرفض،
ولكنني كنت متأكدة تماماً أنني لا أريد أن أتواجد في الحفرة. فقد نلت ما يكفي من
الحبس الانفرادي. البحث كان "مهيناً ومثيراً للاشمئزاز. تجلسين على حافة
الطاولة وممرضة تفتح ساقيك وتدس إصبعها في مهبلك وتحركه. مرتدية قفازاً
بلاستيكياً. بعضهن يحاولن وضع إصبع في مهبلك والأخر في شرجك في نفس الوقت".
ويني مانديلا
كانت هذه الصرخات
الهستيرية تخترق قلبي وتجرح كرامتي كثيراً. بطلة هذه الاعتداءات تبلغ بالكاد 23 من
العمر، في كثير من الأحيان الصرخات التي تسأل عن الرحمة هي لأم تبلغ ضعف عمرها؛
ولكنها بيضاء، وعاملة [في] السجن، وهذا يؤهلها لكل شيء. السجين تحت رحمتها، حياته
وكل شيء آخر. حتى أنها تخبط رؤوسهن قبالة جدار زنزانتي عندما تغضب. وبينما يطفر
الدم من الجروح المفتوحة كانت تضرب بشكل أقسى.
هذه العاملة لديها مساعدين
رائعين جداً في هذا العمل خلال ما أسمع من نافذة زنزانتي فوق غرفة الاعتداء. هن
سكانتسو وجويس، وسكانتسو معروفة أيضاً كمورين، والتي نالت مؤخراً إطلاق سراح مشروط
من وزير العدل بسبب 'حسن سلوك استثنائي' وعشرة أشهر مغفرة لأنها ذات مرة في عام
1968م طاردت وقبضت على سجينة هاربة من الإناث اللاتي اعتدت عليهن بلا رحمة كجزء من
"حسن سلوكها".
No comments:
Post a Comment