Thursday, September 12, 2013

موت شيموس هيني ترك ثغرة في اللغة نفسها

ترجمة: سماح جعفر



 

شارلوت هيغنز وهنري ماكدونالد[1]


كان ثلجي الشعر، رجل كالجبل الصخري؛ رجل يشع بنزاهة الجرانيت والعطف العميق. كان شاعراُ، بين الأعظم في عصرنا، والأول في أمته الذي يفوز بجائزة نوبل منذ ييتس.

شيموس هيني، الذي توفي في مستشفى في دبلن، عن عمر يناهر 74 عامًا، تاركًا أسرة وأصدقاء وقراء في أيرلندا وخارجها. "أحس بفقد شخصي"، على حد قول صديقه منذ فترة طويلة، الشاعر مايكل لونغلي. "كما أن حضوره يملأ غرفة، فقصائده الرائعة تملأ قلوب أجيال من القراء."

قالت كارول آن دوفي، الحائزة على جائزة شاعر بريطانيا "الإخوة والأخوات في الشعر ... لقد جاء ليكون الشاعر الذي نقيس أنفسنا  جميعًا أمامه، لقد أثبت الطبيعة المهنية الحقيقية لفنه في كل لحظة من حياته. إنه غير قابل للاستبدال". وقال الشاعر دون باترسون، "وفاة هذا الرجل المحبوب يبدو أنها قد تترك ثغرة في اللغة نفسها".

هيني، الحائز على جائزة نوبل للآداب في عام 1995، في تجربة شبهها ب "السقوط في انهيار جليدي حميد في معظمه"، ولد قبل وقت قصير من بدء الحرب العالمية الثانية في عائلة من المزارعين في كاسل داوسون، مقاطعة ديري.

نشرت مجموعته الشعرية الأولى، "موت عالم طبيعة"، في عام 1966، تلتها العديد من الأعمال، بما في ذلك "شمال" (1975)، "فانوس الزعرور البري" (1987) ومجموعته الثانية عشر  والأخيرة، "سلسلة بشرية" (2010). لقد كان منقوعًا في اللغة والمناظر الطبيعية لبلدته الأم ديري، وكذلك في الشعر الأنجلو ساكسوني، والإغريق والرومان: ترجمته ل "بيوولف" (2000)  نالت استحسانًا كبيرًا.

المظاهر الحقيقة لشعره كانت التعقيدات، المآسي والصدمات للقرن العشرين من التاريخ الايرلندي.

مولود كاثولكي من أولستر انتقل في عام 1970م  جنوبًا إلى ويكلو ومن ثم إلى دبلن (وقضى أيضا سنوات عديدة يُدرس في جامعة هارفارد)، ولقد قاوم مررارً محاولات استمالته، مفضلًا "قول كل الحقيقة ولكن قولها كملاحظة ساخرة"، بإقتراض سطرٍ من إميلي ديكنسون.

خطابه لجائزة نوبل أعلن نضال الشاعر في وجه التاريخ المعقد والدموي. والذي "سيكون دائمًا في  رصيد الشعر"، كما كتب، "القدرة على إقناع هذا الجزء الضعيف من وعينا بصواباته على الرغم من أدلة الخطأ من حوله".

الشاعر بول مولدون،  لما كان في السادسة عشر من عمره، تشجع في كتاباته بسبب هيني الذي كان يبلغ من العمر 28 سنة، وفي وقت لاحق ذهب للدراسة معه في جامعة كوينز في بلفاست. وقال: "لقد نجح بطرق غير معلومة كثيرًا في أن يكون شاعرًا وشخصية عامة، ولكنه لم يكن متورطًا أبدًا في الدعاية. وحاول دائمًا أن يكون وفيا لأيًا كانت اللحظة. لقد كان هذا بطرق عديدة دورًا صعبًا: الاشخاص ينظرون إليه باعتباره تقريبًا  أوراكل ديلفي".

وقال فرانك ماك جينيس، الكاتب المسرحي الايرلندي،: "خلال أحلك أيام النزاع في ايرلندا الشمالية كان هو ضميرنا: ضمير  كان حذقًا ودقيقًا في كيفية بلورة ما كان يحدث.

"قصائده هي سجل رائع لما مرت به أيرلندا، ولإنتاجها لا بد أنه مر بالعديد من التجارب. لقد حمل اعباء هائلة لأجلنا وساعدنا، لقد كان حليفًا عظيمًا للضوء ...لقد  كان أعظم ايرلندي في جيلي:  ليس له منافس".

اشاد عدد من السياسيين من كلا جانبي الحدود بالشاعر. وقال مايكل دي. هيغينز ،  رئيس جمهورية ايرلندا،: "كان وجود شيموس وجودًا دافئًا، مليئًا بالفكاهة، الرعاية والمجاملة- المجاملة التي مكنته من التعامل بمثل هذه الكرامة الايرلندية الشمالية الساخرة،  العديد كانوا سيستحقون جوائز  جدارة من جميع أنحاء العالم ". قال رئيس وزراء ايرلندا، إندا كيني، أن وفاته "جلبت حزنًا كبيرًا  لأيرلندا، للغة والأدب".

كان هيني مؤيدًا قويًا لعملية السلام في ايرلندا الشمالية،  جدير بالذكر أنه قدم تحية لمهندسي اتفاق الجمعة العظيمة، والذين أصبحوا لاحقًا قادة القومية والعمل النقابي جون هيوم (الذي أطلق عليه اسم "القنفذ") وديفيد تريمبل ("الثعلب").

ذكر زعيم حزب أولستر الوحدوي مايك نسبيت: "بيل كلينتون اختار عبارة هيني العظيمة  'قافية الأمل والتاريخ" من  الشفاء في تروي [ترجمة الشاعر من مسرحية فيلوكتيتيس لسوفوكليس'] في خطابه في لندنديري في عام 1995".

وقال كلينتون: " كل من عمله المذهل وحياته يعتبر هدية للعالم. عقله وقلبه، وموهبته الايرلندية الفريدة في اللغة جعلت منه شاعر نا الأفضل في إيقاعات الحيوات العادية وصوتًا قويًا للسلام. لقد كان صديقًا  جيدًا وحقيقيًا".

قدم الزملاء الكُتاب تكريمًا للشاعر  مليء بالدفء الإنساني المحض. " لم يشهد شيموس  لحظة مرة، ليس بشكل شخصي ولا على الورق" قال توم ستوبارد الكاتب المسرحي. "لا تستطيع التوقف عن حبه مثلما لا تستطيع التوقف عن مواصلة القراءة منذ السطر الأول ."

الكُتاب الأصغر يشهدون على كرمه. قال جيرالد وداوى، الشاعر وأستاذ الأدب في كلية ترينيتي في دبلن،قال أنه كان "مثل الأخ الأكبر الذي يشجعك أن تفعل أفضل ما يمكنك القيام به". ماثيو هوليس، الشاعر ومحرر هيني في دار نشر فابر، يتذكر كيف أنه تلقى  تشجيعًا من  هيني عندما أرسل له قصائده عندما كان شابًا.

وصفه بأنه "رجل ذو دفء ولطف شخصي. داخل عالم الشعر كان يمثل شخصية الأب: رب أسرة الشعر خاصتنا ... فوق كل شيء كان صديقًا عظيمًا للشعر؛ يظهر لعدد لا يحصى من القراء ما هو ممكن في اللغة، ويشجعنا لنحفر أعمق قليلًا، لنكسر الجلد من وعينا وفصاحتنا ". وأضافت الشاعرة لافينيا جرينلو:  "تلقي دفئه وتشجيعه كان مثل تلقي شيء ما من الشمس."

في مجموعته الأولى "وفاة عالم طببيعة"، أضاف  هيني قصيدة تسمى الحفر - بيان، من نوع ما، للشاعر الذي كان أيضًا سليل مزارعين. "ليس لدي مجرفة لإتبع رجالًا مثلهم"، كما كتب. لكن القصيدة تطول، مع  نوع من الضراوة الدؤوبة التي يتشاركها الكُتاب العظام: ". بين إصبعي وإبهامي / يرتاح القلم الرابض / سوف أحفر به."

 

شيموس هيني؛ قصائد


الحفر

بين إصبعي وإبهامي

يرتاح القلم الرابض؛ ثابت كبندقية.

 

تحت نافذتي، صوت صرير نظيف

عندما تغوص المجرفة في الأرض الحصباء

أبي، يحفر. أنظر لأسفل

 

حتى ينحني ردفه المجهد بين جنينات الزهور

منخفضًا، ليأتي بعد عشرين عام

وينحني بإيقاع بين بذور البطاطا

حيث كان يحفر.

 

الحذاء الخشن يختبيء في الحزم، العمود قبالة

الجانب الداخلي للركبة أُخرِجَ بحزم.

قام باجتثاث القمم الطويلة، وغرز الحواف الزاهية عميقًا

ليبعثر البطاطا الجديدة  التي قطفناها،

محبًا لصلابتها الباردة في أيدينا.

 

بالرب، يمكن للرجل العجوز أن يتعامل مع المجرفة.

تمامًا كأبيه.

 

قص جدي أعشابًا كثيرة في يوم واحد

أكثر من أي رجل أخر في مستنقع الحبر.

ذات مرة حملت له حليبًا في زجاجة

مسدودًا بفلينة ورقية بإهمال. استقام

ليشربه، ثم هبط فورًا

يجز ويقطع بدقة، يرفع العشب

فوق كتفه، يمضي عميقًا وعميقًا

لأجل العشب الجيد. يحفر.

 

الرائحة الباردة لعفن البطاطا، وسحق ولطم

الجفت الرطب، العشب يجز من حوافه

عبر جذور حية يقظة في رأسي.

لكنني لا أملك مجرفة لأتبع رجالًا مثلهم.

 

بين إصبعي وإبهامي

إرتاح القلم الرابض.

سوف أحفر به.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


أغنية

شجرة روان كفتاة تضع أحمر شفاه

بين الطريق الجانبي والطريق الرئيسي

أشجار النغت على مسافة رطبة ومقطرة

تتراجع بين الأعشاب الضارة.

 

هناك أزهار وحل اللغة المحلية

ونجميات الذائقة البارعة

وتلك اللحظة عندما يغني الطير بشكل قريب جدًا

لموسيقى ما حدث.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قوس الحصاد

وأنت تضفر قوس الحصاد

فإنك تورط الصمت المعتق فيك

في قمح لا يصدأ

ولكن يشرق بينما يشد جديلة بجديلة

داخل إكليل معروف،

عقدة حب مهملة من القش.

 

الأيدي التي أشاخت عصي المشي دائرية الرأس و عيدان القصب

تلعق وخز النخيل في فترة حياة ديوك اللعبة

أنصت لهديتهم وإعمل بنية جيدة

حتى تتحرك أصابعك مسرنمة:

أقولها وأصفها بالأصابع بطريقة برايل،

ملتقطًا ما لا يقال بوضوح،

 

وإذا تجسست على أُنشوطاته الذهبية

أرانا نمشي بين منحدرات السكك الحديدية

نحو أمسية من العشب الطويل والبراغيث،

الدخان الأزرق يرتفع، أسِرة قديمة ومحاريث تحت السياج،

إعلان مزاد على جدار مبنى خارجي-

وأنت، بقوس حصاد في طية سترتك،

 

وأنا وصنارة صيد، أحس بحنين للوطن بالفعل

للمعنويات العالية لهذه الأمسيات، بينما تضرب

عصاك قمم الحشائش والشجيرات

ضربات خارج الوقت، وضربات، ولا تصيب شيئًا

بالإحمرار: أرض المدينة الأصلية

لا تزال معقودة اللسان داخل القشة المربوطة بيدك.

 

نهاية الفن السلام

يمكن أن يكون شعارًا لهذا الجهاز الضعيف

والذي علقته على خزانتنا-

كفخ مرسوم

ينزلق مؤخرًا بواسطة روح الذرة

وما زال يلمع بين ممراتها، وما زال دافئًا.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


فاكهة غريبة

ها هو رأس الفتاة مثل قرعة مقطوفة.

وجه بيضاوي، بشرة خوخية، وأحجار مشذبة هي الأسنان

 

لقد نزعوا السرخس الرطب عن شعرها

وصنعوا معرضًا من لفائفه،

تاركين الهواء على جمالها الجلدي.

عاطفة من الشحم، كنز قابل للتلف:

أنفها المكسور داكن مثل كتلة عشب،

محجر عينيها فارغ كأحواض في المقالع القديمة.

إعترف ديوريوس الصقلي

سكونه المترنم مع أشباه هؤلاء:

القتل، النسيان، المجهول، الفظاعة

الفتاة مقطوعة الرأس، إطالة التحديق في الفأس

والتطويب، إطالة التحديق

في ما بدأ لأجل الإحساس بالخشوع.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


من تخوم الكتابة

الندرة واللاشيء يلفان هذا الفضاء

عندما تتوقف السيارة في الطريق، تتفحص القوات

طرازها ورقمها، وبينما يحني المرء وجهه

 

قبالة نافذتك، تمسك بنظرك المزيد

على تلة في الخلف، يتطلعون بقصدية

إلى أسفل، نحو البنادق المحتضنة التي تبقيك تحت غطاء

 

وكل شيء استجواب خالص

حتى تتحرك بندقية وتنتقل أنت

تحت حراسة غير مهتمة بالإسراع-

 

قليل من الجوع، قليل من الإنهاك

كما هو الحال دائمًا مع هذا الإرتعاش في النفس،

مخضع، نعم، ومذعن.

 

لذلك تقود إلى تخوم الكتابة

حيث يحدث ذلك ثانية. البنادق على الرفوف؛

الرقيب عبر مكرفونه يكرر

 

بيانات عنك، في إنتظار زعيق

الصفاء؛ الرامي يتدرب في الأسفل

بعيدًا عن الشمس، أمامك مثل الصقر.

 

وفجأة تعبر، متهم تم إطلاق سراحه للتو،

كما لو كنت تمر من وراء شلال

في التيار الأسود للطريق المعبد

 

عابرًا المركبات المصفحة، خارجًا بين

الجنود المنتشرين، متدفقين ومنحسرين

مثل ظلال الشجر على زجاج السيارة الأمامي المصقول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1]   عن صحيفة الغارديان البريطانية.


No comments:

Post a Comment