Sunday, October 6, 2019

الموت كتوظيف للحياة؛ رن هانغ

ترجمة: سماح جعفر 




2014.11.17

هل أنا جَمَلٌ أم صبار؟ جالس بمنتصف الأريكة. الأغطية ذات اللون الكريمي كصحراء. لم يخالجني هذا الشعور مُنذ وقت طويل. جملٌ دون سنامٍ، أم صبارٌ دون شوكٍ؟ أنا حقًا لا أريد الخروج. كل شخص في الخارج لائقٌ أكثر بكثيرٍ منيّ. لا أريد حضور أي تجمع اجتماعي. لأنه لو كان صاخبًا أخشى أنني سأكون هادئًا جدًا، وإن كان هادئًا أخشى أنني سأصرخ. نصف كوب فقط من أي مشروبٍ يجعلني أملسًا بإفراط، أملسًا جدًا لدرجة أنني قد انزلق، أتدحرج على الدَرَجِ كما لو أنني أمارس الآيروبيك أو الألعاب الجمبازية. في لحظات كهذه، ليس هناك ما هو أكثر راحة من لمس الكدمات المسودة والمزرقة على جسدي. كل كدمة أو ندبة دواء. بمجرد أن يتخذ الألم شكلًا ملموسًا، تتلاشى مخاوفيّ.

لمَ لا أظل جالسًا هنا، ظهري قبالة التلفزيون (المُطفأ)، أدلك عضلاتي وأمشاط قدمي بجهاز التحكم عن بُعد. لمَ لا أستلقي؟ يمكنني قضاء 15 إلى 20 ساعة يوميًا في السرير. أحيانًا أشعر بأنني مستلقٍ فوق المرتبة، وأحيانًا أشعر أنني مستلقٍ تحت المرتبة، وأحيانًا أخرى أحسُ أنني مستلقٍ داخل المرتبة. محاطٌ بمتاهة من الأغطية، لدرجة أنني لن أجد المخرج أبدًا. النهوض من السرير قاسٍ تمامًا كالنوم.

يلازِمُني شعورٌ دائمٌ بأن الباب مفتوح، وأسمع دائمًا شخصًا يدق جرس الباب. لكن منزلي ليس به جرس؛ لم أقم بتركيب جرسٍ قط. أسمع دائمًا هاتفي يرن. حالما أحمله بين يدي أرى بأم عيني أنه لم يرن، لكنني أشعر بذلك الرنين والاهتزاز في أصابعي. لا أريد تلقِي مكالمة من أي شخص، لكن الحقيقة هي أن لا أحد يتصل بي.

لا شيء يحدُث، لم يحدُث شيء قط. الحماسة والهستيريا وجهان لعملة واحدة.







2015.03.23

يوم أمس في السوبر ماركت

سرقتُ معجون أسنان

أول أمس حشرت

لبانة في قفل باب جاري

الأسبوع الماضي ركلت كل سلال المهملات

على التوالي خارج بوابات الحي

كلما قمتُ بأمر سيء أحس أن الحياة جميلة مجددًا.





2015.05.19

قضيت الليلة في منزل إحدى الصديقات ولم أستطع النوم. استلقيت أولًا على السرير، ثم على الأرض. في النهاية جلست على كرسي، وراقبت الستائر المُحَكَمة، شعرت بأن شخصًا ما قد ربط حبلًا حول رقبتي، وطوقها بأصابعه. لم أستطع التنفس، جسدي كله اِرتجف، دون أن اتعرق. لم تكن هناك قطرة واحدة من العرق على وجهي، بشرتي جافة وهادئة مثل وعيي الأرِق، الذي كان في الواقع نائمًا منذ مدة دون أن أعرف.

لم يسبق لي أخذُ استراحة نهائية من قدرتي الجذرية على التفكير. لكن عندما وقفت وفتحت الستائر وصعدت على حافة النافذة، مستعدٌ تمامًا للقفز في أي لحظة، كان ذلك أقرب إلى الموت وأبعد من أي شيء آخر كُنتُ عليه. كان التفكير مستحيلًا، الشيء الوحيد الذي كان في متناول اليد هو الموت، وكان الموت هو وسيلتي الوحيدة لتوظيف الحياة: لم أكن أريد أن يكون بيضي كله في سلة واحدة. أحسست بأن منطقي سليمٌ وواقعيٌ. لم أخف شيئًا. عندما تتلألأ مصابيح الشوارع، ويصير بإمكانك رؤية نهاية كل الطرق، لن يتبقى شيء تخافُه، فليس هناك سوى الدافع للسير مباشرة نحوها دون تردد.

فتحت صديقتي باب الغرفة لترى نصف جسدي معلقًا خارج النافذة. ركعت على ركبتيها عند الباب، باكية ومتوسلة، بدأت أبكي معها. كما هو الحال دائمًا، حالما أبدأ بالبكاء، لا أستطيع التوقف. شجعت نفسي بحديثٍ حماسيٍ باكي؛ حاولت أن أرى نفسي بعيني غريبٍ، وإلى أي درجة يمكن أن أبدو طبيعيًا؛ قلت لنفسي أن عليّ التوقف عن تصور جسدي كسلاح، وأن الخطر الحقيقي الذي يجب أن أخوضه في مغامر الحياة لا يتمثل في الجري باندفاع كدجاجة مقطوعة الرأس.

حاولت التحدث مع صديقتي حول تلك الحادثة بعدها بمدة، وأخبرتني أنها لم تستيقظ قط يومها. لذا من المؤكد أنها لم تراني في خضم محاولتي الانتحارية؛ لا بد أنها هلوسة من جانبي. فقد كررت مرات عديدة: "ليس لدي أي فكرة عما تتحدث عنه".

لفترة طويلة بعدها، حاولت أن أنسخ - بوحشة، بصمت، بخفاء - الطريقة التي يعيش بها الآخرون. كان ذلك أيضًا عندما بدأت بتناول العقاقير. أخبرت الطبيب أنه في بعض الأحيان أشعر بأنني أرتفع، وأطير، وأحيانًا أخرى أشعر كأنني أغرق، انحدر. أحيانًا أكون على القمة، وأحيانًا أكون في القاع، على الرغم من أن أيًا من الحالتين لا تستمرُ لفترة طويلة. وصف لي نوعين من الأدوية. كان أحدهما كبسولة حمراء، والآخر حبة بيضاء. وقال لي، عندما تكون في القمة خذ الكبسولة الحمراء، وعندما تكون في القاع خذ الحبة البيضاء.

بصراحة لا أدري ما إذا جعلتني الأدوية بحالٍ أفضل، رغم أنها حققت لي توازنًا بين الحين والآخر. هناك أيضًا أوقاتٌ تناولت فيها الدواء الخطأ. ذات مرة، ظننتُ مخطئًا أنني في القاع، بينما كنت في الحقيقة على القمة. بعد أن ابتلعت الكبسولة الحمراء، شعرت طوال الليل وكأنني مستلقٍ على فراشٍ طائرٍ وأشاهد مباراة كرة قدم، زدّ على ذلك، أنني كنت مشغولًا ببصق لعابي على وجوه مشجعي الفريق المنافس، واستخدمت ولاعتي لحرق فانيلات لاعبي الفريق المنافس، كل هذا رُغم أنني لا أشاهد أي شكل من أشكال الرياضة التنافسية.

كان الضوء ساطعًا عندما كانت الأنوار مضاءة، والظلام شديدًا عندنا أطفئت الأنوار، كان الجو دافئًا وجافًا للغاية عندما كانت المدفأة تعمل، ولكنه صار باردًا جدًا دونها. كنت أرغب في السير، لكنني كنت خائفًا من انتظار المصعد. حتى لو لم أضطر لانتظار المصعد، فقد خفتُ من أن يكون المصعد ممتلئًا بالناس عندما تنفتحُ أبوابه. كنت خائفًا من أن يراني هؤلاء الناس، وكنت خائفًا أكثر من أن أراهم. مرت الساعات طوالًا بينما لم يكن لدي أدنى فكرة عما كنت أفعله. لم أفعل شيئًا، ومع ذلك كنت خائفًا من كل شيء.

بعد نصف شهر من الاختباء بالمنزل، أول شيء فعلته عند الاستيقاظ بعد ظهر كل يوم هو البحث عن أدويتي، رُغم أن هذا الروتين جعلني مذعورًا أكثر من أي وقت مضى. إذا لم أتناول الأدوية، أو إذا لم أكن متأكدًا من أنني تناولت دوائي في أي مكان أذهب إليه، فسأشعر أنني عاجز تمامًا، وعلى استعداد للانفجار في أي لحظة. علاوة على ذلك، يبدو أن الأدوية تزيد من حساسية المرء تجاه الإدراك الداخلي وتوسع مساميته لتشمل المحفزات الخارجية. في الواقع، أريد بشدة العودة إلى الواقع، لكن الواقع سخيفٌ للغاية. في اللحظة التي أدركت فيها أنني أطور مثل هذا الاعتماد على الأدوية، توقفت عن أخذها، لذلك عندما ستتفاخر بوجهي حول عبثية العالم، لن أشعر بالغيرة مطلقًا. لقد اخترت الاستمرار والبقاء في انهياري، أمس كنت منهارًا، ولكن انهياري لا زال أكثر وسائل نجاتي مهارة وبراعة.






No comments:

Post a Comment