Sunday, September 13, 2015

رسالة مفتوحة لأختي، الآنسة أنجيلا دايفس؛ جيمس بالدوين

ترجمة: سماح جعفر 



جيمس بالدوين
نوفمبر 19، 1970م



شقيقتي العزيزة؛

يتمنى المرء بحلول هذا الوقت، أن تصبح رؤية أغلال على اللحم الأسود، أو رؤية أغلال حتى، مشهدًا غير محتملٍ للشعب الأميركي؛ ذكرى بشعة، لدرجة أنهم سينتفضون من تلقاء أنفسهم ليكسروا الأغلال. ولكن، لا، يبدو أنهم يتألقون في أغلالهم؛ الآن، أكثر من أي وقت مضى، يبدوا أنهم يقيسون سلامتهم بالأغلال والجثث. وبذلك فإن، مجلة نيوزويك، المدافع الحضاري للمتعذر تبريره، تحاول أغراقك في بحر من دموع التماسيح ("لا زالت تنظر أي نوع من التحرر الشخصي حققت") وتضعك على غلافها، مقيدة بأغلال.

تبدين وحيدة بإفراط، وحيدة، كربة منزل يهودية في عربة النقل المتوجهة إلى داخاو، أو كأي واحد من أسلافنا، مقيد بأغلال باسم يسوع، ويتجه نحو الأرض المسيحية.

حسنًا. بما أننا نعيش في عصر الصمت فيه ليس مُجرمًا فقط بل انتحاري، فقد كنت أصنع ضوضاء بقدر ما أستطيع، هنا في أوروبا، في الإذاعة والتلفزيون _ في الواقع، لقد عدت للتو من أرض، ألمانيا، والتي اشتهرت بسمعة سيئة من قبل الأغلبية الصامتة منذ وقت ليس ببعيد جدًا. لقد طُلب مني أن أتكلم عن قضية الآنسة أنجيلا دايفس، وفعلت. من المحتمل جدًا أن هذا ضرب من العبث، ولكن على المرء أن لا يفوت فرصة.

أنا أكبر منك ومن هذا الجيل بعشرين عامًا تقريبًا، بالتالي، عندما تجرأ جورج جاكسون على القول أنه "ليس هناك أخوة أصحاء - على الإطلاق". لم أكن مجهزًا بأي وسيلة للطعن في هذه التكهنات (على أي حال، ليس دون الانزلاق إلى ما يمكن اعتبارها في تلك اللحظة، تفاصيلًا ليست ذات صلة) لأنني أعرف جيدًا ما يعنيه. 

حالتي الصحية الخاصة متزعزعة بالتأكيد بما فيه الكفاية. وبالنظر إليك وإلى هيوي، وجورج و(خصوصًا) جوناثان جاكسون، فقد بدأت أدرك ما كنتم تفكرون فيه عندما تحدثتم عن الاستخدامات التي يمكن أن نضع فيها تجربة الرِق. ما حدث، يبدو لي، ولأعبر عنه ببساطة جدًا، أن جيلًا جديدًا من الناس قد قيموا واستوعبوا تاريخهم، وخلال هذا الفعل الهائل، حرروا أنفسهم منه، ولن يكونوا ضحايا أبدًا مرة أخرى . قد يبدو هذا أمرًا غريبًا ووقحًا، لا يمكن غفرانه، وغير حساس لقوله لأخت في السجن، تقاتل من أجل حياتها وحياتنا جميعا. رغم ذلك، أجرؤ على القول، أنني أعتقد أنكِ ربما لن تسيئي فهمي، لأنني لا أقول ذلك، في النهاية، من موقف المتفرج.

أحاول أن أقترح أنك -على سبيل المثال-لا تبدين ابنة والدك بنفس الطريقة التي أبدو بها ابن أبي. في الأساس، توقعات والدي وتوقعاتي كانت متماثلة، وتوقعات جيله وتوقعاتي كانت متماثلة أيضًا؛ لا الفرق الهائل في أعمارنا ولا التحرك من الجنوب إلى الشمال يمكن أن يغير هذه التوقعات أو يجعل حياتنا أكثر قابلية للاستمرار. لأنه، في الواقع، باستخدام أسلوب التعبير الوحشي لذلك الوقت، واللغة الداخلية لذلك اليأس، فقد كان أبي مجرد زنجي، واعظ زنجي عامل، وكذلك كنت أنا. لقد قفزت عن المسار ولكن هذا ليس له أهمية كبيرة هنا، أكثر من حقيقة أن بعض الأسبان الفقراء أصبحوا مصارعي ثيران أثرياء، أو أن بعض الأولاد الفقراء السود أصبحوا ملاكمين أثرياء على سبيل المثال. وهذا نادرًا ما يمنح الناس أكثر من التنفيس العاطفي العظيم، على الرغم من أنني لا أقصد أن أكون متعاليًا تجاه ذلك، أيضًا. ولكن عندما أصبح كاسيوس كلاي، محمد علي ورفض أن يرتدي الزي الرسمي (وضحى بكل هذه الأموال!) تأثير مختلف جدًا وقع على الناس ونوع مختلف جدًا من التوصيات بدأ.

الظُفر الأمريكي - حيث المأساة الأمريكية دائمًا مضمنة - كانت في جعل السود يحتقرون أنفسهم. عندما كنت صغيرًا كنت أحتقر نفسي، لم أكن أعرف. وهذا يعني، ولو عن غير وعي، أو رغمًا عني، أو بألم عظيم، أنني احتقرت والدي أيضًا. والدتي. وإخوتي. وأخواتي. السود كانوا يقتلون بعضهم بعضًا كل ليلة سبت في جادة لينوكس، عندما كنت أشب عن الطوق؛ لم يشرح لهم أحد، أو لي، أن قيامهم بذلك كان أمرًا مقصودًا؛ أنهم كانوا محبوسين في مكانهم، كما الحيوانات، لكي لا يعتبروا أنفسهم أفضل من الحيوانات. كل شيء يؤيد هذا الواقع، لا شيء ينفي ذلك: لذلك كان المرء على استعداد، عندما يأتي وقت الذهاب إلى العمل، لأن يعامل كعبد. لذلك كان المرء جاهزًا، عندما جاءت أهوال الإنسان، لكي يسجد أمام الرب الأبيض ويتوسل يسوع للخلاص - هذا الرب الأبيض نفسه الذي لم يتمكن من رفع أصبعه حتى لمساعدتك على دفع الإيجار، غير القادر على أن يستيقظ في الوقت الملائم لمساعدتك على إنقاذ طفلك!

هناك دائمًا، بطبيعة الحال، ما هو أكثر في أي صورة مما يمكن رؤيته بسرعة، وفي كل هذا - التأوه والأنين، المشاهدة، الحساب، التهريج، النجاة، والتفوق الذكي، بعض القوة الهائلة، والتي هي جزء من إرثنا اليوم. ولكن هذا الجانب من رحلتنا بالذات بدأ الآن في أن يصبح وراء ظهورنا. انكشف السر: نحن رجال!

ولكن بصراحة، التعبير المفتوح عن هذا السر أرعب الأمة حتى الموت. أتمنى لو أستطيع القول: "حتى الحياة"، ولكن هذا يعد طلبًا كبيرًا من مجموعة متباينة من النازحين الذين لا زالوا يرتعدون في عربات القطارات ويغنون "إلى الأمام يا جند المسيح". الأمة، إذا كانت أمريكا أمة، ليست مستعدة مطلقًا لهذا اليوم. وهو يوم لم يتوقع أو يتمنى الأميركيين رؤيته، ولكنهم على أي حال أعلنوا بورع اعتقادهم في هذه الكلمات، "التقدم والديمقراطية". والتي صارت الآن، على الشفاه الأمريكية، كنوع من الفحش العالمي : لأن هذا الشعب التعس ، المؤمن بقوة في الحساب، لم يتوقع أن يواجه بعلم الجبر من تاريخه.

طريقة واحدة لقياس صحة الأمة، أو تمييز ما تراه حقًا كمصلحتها - أو إلى أي مدى يمكن اعتبار أمة متميزة عن ائتلاف مصالحها الخاصة - هو من خلال فحص هؤلاء المنتخبين لتمثيلها أو حمايتها. لمحة واحدة على القادة الأمريكيين (أو الشخصيات الرئاسية) تبلغك أن أمريكا على حافة الفوضى المطلقة، وتقترح كذلك أن مستقبل المصالح الأميركية، إن لم يكن الجزء الأكبر من الشعب الأميركي، على استعداد لتوديع السود. (في الواقع، نظرة واحدة على ماضينا تكشف ذلك.) ومن الواضح أنه بالنسبة للجزء الأكبر من مواطنينا (الاسميين)، نحن جميعًا مستهلكين. والسادة نيكسون، أغنيو، ميتشل، وهوفر، ناهيك، بطبيعة الحال، عن الفائز روني ريغان، الذي لن يتردد لحظة واحدة في تنفيذ ما يصرون على أنه إرادة الشعب .

ولكن ما هي إرادة الشعب في أمريكا؟ ومن، بالنسبة للمذكورة أسماؤهم أعلاه، هم الشعب؟ الشعب، أيًا كان، يعرف عن القوى التي وضعت السادة المذكورة أسماؤهم في السلطة كما يعرف عن القوات المسؤولة عن القتل في فيتنام. إرادة الشعب، في أمريكا، كانت دائمًا تحت رحمة الجهل، ليست مجرد ظاهرة، ولكنها مقدسة، ومصقولة بقداسة: وهي الأفضل لاستخدامها من قبل اقتصاد لاحم يذبح ديمقراطيًا ويحتال على البيض والسود على حد سواء. ولكن معظم الأميركيين البيض لا يجرؤون على الاعتراف بذلك (على الرغم من أنهم يشتبهون في الأمر) وتحوي هذه الحقيقة خطرًا قاتلًا بالنسبة للسود ومأساة للأمة.

أو، بعبارة أخرى، ما دام الأميركيون البيض يلوذون ببياضهم - وطالما هم غير قادرون على الخروج من هذه الفخاخ الأكثر وحشية - سوف يسمحون لملايين الناس بأن يذبحوا باسمهم، وسوف يتلاعبون ويسلمون أنفسهم إلى ما يفكرون فيه - ويبررونه - كحرب عرقية. ولن يستطيعوا أبدًا، طالما وضع بياضهم المشؤوم مسافة بينهم وبين خبراتهم وخبرات الآخرين، وشعروا بأنفسهم بشريين بدرجة كافية، جديرون بالاهتمام بدرجة كافية، ليصبحوا مسؤولين عن أنفسهم، قادتهم، بلدهم، أطفالهم، أو مصيرهم. سوف يهلكون (كما قلناها ذات مرة في كنيستنا السوداء) في خطاياهم، في مصائبهم. وغني عن القول أن هذا ما يحدث، بالفعل، في كل مكان حولنا.

فقط بضعة ملايين من الناس في هذا المكان الشاسع يدركون أن المصير المعد لك، أيتها الأخت أنجيلا، ولجورج جاكسون، وللسجناء غير المعدودين في معسكرات الاعتقال - لأن ذلك هو ما هم عليه - هو المصير الذي يوشك على أن يبتلعهم، أيضًا. الحيوات البيضاء، بالنسبة للقوى التي تحكم في هذا البلد، ليست أقدس من تلك السوداء، وهو ما اكتشفه العديد والعديد من الطلاب، كما تثبت الجثث الأمريكية البيضاء في فيتنام. إذا كان الشعب الأمريكي غير قادر على أن يتعامل مع قادته المنتخبين من أجل خلاص فخره الخاص وحياة أطفاله، فنحن، السود، المنبوذون أكثر بين الأطفال الغربيين، يمكننا أن نتوقع مساعدة قليلة جدًا من أيديهم: والتي على كل حال، ليست شيئًا جديدًا. ما لا يدركه الأميركيين هو أن الحرب بين الإخوة، في نفس المدن، على التربة نفسها، ليست حربًا عرقية ولكنها حرب أهلية. ولكن الوهم الأميركي ليس فقط في الظن أن إخوتهم كلهم بيض ولكن أن البيض كلهم إخوتهم.

ليكن. لا يمكننا أن نوقظ ذلك النائم، الرب وحده يعلم أننا حاولنا. يجب علينا أن نفعل ما نستطيع فعله، تحصين وحفظ بعضنا البعض - نحن لا نغرق في احتقار الذات الزاهد، ونرى أنفسنا جديرين بالاهتمام بما فيه الكفاية لنتعامل حتى مع القوات المتصلبة من أجل تغيير مصيرنا ومصير أطفالنا وحالة العالم! ونعرف أن الرجل ليس شيئًا ولا يمكن أن يوضع تحت رحمة الأشياء. ونعلم أن الهواء والماء تنتمي للبشرية جمعاء وليس فقط للصناعيين. ونعلم أن الطفل لا يأتي إلى العالم لمجرد أن يكون أداة لربح شخص آخر. ونعلم أن الديمقراطية لا تعني إكراه الجميع على الرداءة القاتلة- والشريرة في النهاية - ولكن الحرية للجميع في التطلع إلى أفضل ما فيهم.

نحن نعلم أننا، السود، وليس نحن فقط، كنا، وما زلنا، ضحايا نظام وقوده الوحيد هو الطمع، وربه الوحيد هو الربح. ونعلم أن ثمار هذا النظام كانت الجهل واليأس والموت، ونعرف أن النظام محكوم عليه بالفشل لأن العالم لم يعد قادرًا على تحمله - إذا، استطاع في الواقع أن يتحمله من قبل. ونعرف أنه من أجل بقاء هذا النظام، تم تعذيبنا جميعاً بوحشية وبلا رحمة، ولم يخبرونا شيئًا سوى أكاذيب، أكاذيب حول أنفسنا وأقرباءنا وماضينا، حول الحب والحياة والموت، بحيث أن كلًا من روحنا وجسدنا تم تقييدهم في الجحيم.

الثورة الهائلة في الوعي الأسود التي حدثت في جيلك، أختي العزيزة، تعني بداية أو نهاية أمريكا. بعضنا، البيض والسود، نعرف الثمن الكبير الذي دفع مسبقًا لجلب وعي جديد إلى حيز الوجود، شعب جديد، أمة لم يسبق لها مثيل. لو علمنا، ولم نقم بأي شيء، فنحن أسوأ من القتلة الذين استأجروا باسمنا.

إذا علمنا، فيجب علينا أن نكافح من أجل حياتك كما لو كانت حياتنا - وهي كذلك فعلًا - ونصنع بأجسادنا ممرًا لا يمكن عبوره إلى غرفة الغاز. لأنهم لو أخذوك في الصباح، فسوف يأتون لأجلنا في نفس الليلة.


لذلك: السلام.

الأخ جيمس







No comments:

Post a Comment