Thursday, November 15, 2012

سيلفيا بلاث: مذكرة سيرة ذاتية بقلم لويز أميس

ترجمة: سماح جعفر 




نشرت رواية "الناقوس الزجاجي" لأول مرة في لندن، يناير 1963 عن دار نشر وليام هينمان المحدودة، تحت الاسم المستعار فكتوريا لوكاس. قامت سيلفيا بلاث بتبني هذا الاسم لنشر روايتها الأولى لأنها حين فكرت بقيمته الأدبية اقتنعت بأنه "ليس عملًا جادًا"؛ كانت أيضًا قلقة بخصوص الألم الذي من الممكن أن يصيب أشخاصًا كثيرين قريبين منها، تم استخدام شخصياتهم عبر تدميرها وهضمها بخفة داخل الكتاب.

الثيمات الأساسية لحياة سيلفيا المبكرة كانت القواعد التي شيدت عليها رواية الناقوس الزجاجي. ولدت في عام 1932 في ماساتشوستس وقضت طفولتها الأولى في وينثروب، مدينة ساحلية تقع بالقرب من بوسطن. أمها ذات والدين نمساويين؛ كان أبوها أستاذًا لعلم الأحياء في جامعة بوسطن (وخبير معروف دوليًا في النحل)، هاجر للولايات المتحدة، من بولندا، وهو يافع؛ كان لها أخ واحد يصغرها بعامين ونصف. التغيير الجذري في حياة سيلفيا حدث عندما كانت بعمر الثامنة؛ في نوفمبر 1940 توفي والدها بعد صراع طويل مع المرض، وقامت أمها وجديها بنقل الأسرة إلى بلدة ويلسلي، وهي بلدة محافظة للطبقة الوسطى العليا في ضواحي بوسطن. بينما كانت الجدة تتولى العناية بالمنزل كانت السيدة بلاث تقوم بتدريس الطلاب في دورات التدريب على السكرتارية الطبية في جامعة بوسطن، بنظام عمل يومي، بينما عمل الجد كبيرًا للخدم في نادي بروكلين الريفي، حيث يعيش خلال الأسبوع. درست سيلفيا وأخوها في المدارس الحكومية المحلية. "درستُ في المدارس العامة" كتبت سيلفيا لاحقًا، "عامة بحق، درس فيها كل الناس". في سن مبكرة بدأت بكتابة الشعر والرسم بالحبر والأقلام وحصد الجوائز مع كل كتابة جديدة تخرجها للنور. عندما بلغت سن السابعة عشر، أصبح اهتمامها بالكتابة منظمًا ومؤسسًا.

النشر، على أية حال، لم يأت بهذه السهولة؛ قامت بإرسال أربعة وخمسون نصًا لمجلة سفنتين قبل نشر قصتها القصيرة الأولى، "الصيف لن يأتي مرة ثانية"، نشرت في عدد أغسطس 1950 قصيدة "مرارة الفراولة"، والتي كانت تعليقًا تهكميًا على الحرب، كانت قد قُبلت ونُشرت بنفس الشهر في مجلة العلم المسيحي. في كتاب التخرج لمدرستها الثانوية، الويليسلاين، توجد صورة للفتاة التي وصفت نفسها لاحقًا كـ"براغماتية بسن المراهقة المسعورة":

ذات ابتسامة دافئة... عاملة دؤوبة... تلعثم البيانو والرقصة الخاصة. . . ذكية مع الطباشير والدهانات. . . عطلة نهاية الأسبوع في وليامز. . . تلك السندويشات معبأة بالكامل. . . كاتبة المستقبل. . . هذا الرفض ينزلق من سيفنتين. . . أوه، للحصول على ترخيص قيادة.

في سبتمبر 1950 دخلت سيلفيا جامعة سميث في نورثهامبتون، ماساشوستس، أكبر كلية للنساء في العالم. قُبلت بمنحتين دراسيتيتن واحدة من نادي ويلسيلي سميث وواحدة وهبت لها من الروائية والمؤلفة أوليف هيجينز بروتي صاحبة رواية ستيلا دالاس، والتي في وقت لاحق أصبحت صديقتها وراعيتها.

كانت هذه هى السنوات التي كتبت فيها سيلفيا الِشعر بجدول زمني محدد، ووضعت دوائر حول الكلمات في قاموس المرادفات الجلدي الأحمر والذي يعود لوالدها، محافظة علي مذكرات تفصيلية، وأجتهدت علي دفتر قصاصات، ودرست بإجتهاد. كانت ناجحة جدًا كطالبة، وإنتُخبت إيضًا كأمينة للصف ولمكتب الجامعة؛ أصبحت كذلك عضوًا في هيئة التحرير الخاصة بجامعة سميث، كانت تذهب في العطلات إلى جامعات الرجال، ونشرت قصصًا وأشعارًا في مجلة سفينتين. ولكن في الوقت الذي كتبت فيه الرسالة: "لتلك النجاحات الظاهرية القليلة التي يبدو أنني حققتها هناك أفدنة من الشكوك الذاتية والمخاوف." عن هذه المرحلة، في وقت لاحق، صديق قال : "كان الأمر وكأن سيلفيا لم تحتمل أن تنتظر لتأتي إليها الحياة ... فهرعت للترحيب بها، لتدع الأشياء تحدث."

بينما أصبحت تُدرك بشكل متزايد ذاتها كإمراة، الصراع بين نمط حياة الشاعرة/المفكرة والزوجة الأم أصبح شغلها الشاغل، وقد كتبت: "... إنه لمن المدهش كيف أنني قضيت معظم حياتي كما لو أنني في الجو الصافي لناقوسٍ زجاجي." في أغسطس، 1951 فازت في مسابقة مودموزيل ميجازين فيكشن بقصتها القصيرة، "الأحد في مينتون،" وفي سنتها التالية، سنتها النهائية في الجامعة، فازت سيلفيا بجائزتين في الشعر من كليتها "كلية سميث" وانتُخبت عضوًا في فاي بيتا كابا، وألفا، مجتمع كلية سميث الفخرى للفنون. ثم في صيف 1952 أٌختيرت كمحررة ضيفة في هيئة التحكيم لمسابقة كلية مودموزيل. في دفتر قصاصاتها وصفت بداية ذلك الشهر الذي قضته في نيويورك والأسلوب اللاهث للمجلة:

بعد أن أصبحت واحدة من الفائزين الوطنيين الاثنين في مسابقة مجلة مودموزيل فيكشن (500دولار!) في أغسطس الماضى، أحسست أنني أعود إلى المنزل مرة أخرى عندما فزت بمنصب المحررة الضيفة الممثلة لكلية سميث وأخذت القطار إلى مدينة نيويورك لأعمل لمدة شهر مقابل راتب- مرتدية قبعة وحذاء ذو كعب عالٍ- في المكاتب المكيفة الجميلة لشارع ماديسون ... رائعة، مذهلة، وكل الصفات الآخرى لن تصف الأسابيع الأربعة المهرجانية، الفوضوية التي عملت فيها كمحررة ضيفة للتصحيح ... أعيش رفاهية في باربيزو، حررت، قابلت مشاهير، يُحتفي بي وأستمتع بين كوكبة من مندوبي الأمم المتحدة، المترجمين الفوريين والفنانيين ... تقريبًا شهر حافل لا يصدق- هؤلاء أوثان سندريلا كلية سميث: فينس بورجايلي، باول انجيل، اليزابيث باون- أكتب مقالات من خلال مراسلات مع خمسة أساتذة شعر وسماء.

وكان هناك الشعراء أليستير ريد، أنتوني هيشت، ريتشارد ويلبر، جورج شتاينر، ويليام بورفورد وكانت صورهم مرفقة بسيرة ذاتية وملاحظات وتعليقات على الشعراء والشعر.

بعد مائتين وثلاثين صفحة غريبة من الاعلانات، الجزء الأكبر من عدد مجلة الكلية في أغسطس 1953 كان مقدمًا من قبل سيلفيا كضيفة تحرير رئيسية مع "كلمة مجلة مودموزيل الأخيرة لدفعة التخرج '53" مخطوطة تحت صورة مضجرة للضيوف المحرريين يمسكون بأيدي بعضهم البعض في تكوينة نجمية، مرتديات تنورات صوفية مقلمة وقبعات عليها شعار مدرسة إيتون وبابتسامات متسعة، كتبت:

نحن مراقبوا النجوم هذا الموسم، مسحورون بمناخ أمسية زرقاء. قبل كل شيء في كوكبة الأزياء وضعنا نقاط قماش الترتان، البراعة الفلكية للكنزات الصوفية، ورجال، رجال، رجال- بلغنا حد نزعنا منهم أقمصتهم! مركزين مراصدنا على أخبار الجامعات حول العالم، جادلنا وتعمدنا ذلك. اضيئت القضايا: الحرية الأكاديمية وجدل نادي الطالبات، الجيل الأكثر وصمًا. من حقولنا المفضلة، صنع نجوم من الدرجة الأولى، تأثيرًا مشرقًا على خططنا بخصوص أعمالنا ومستقبلنا. على الرغم من أن طالع أفلاك أهدافنا، نحن المحررين الضيوف، لم يوضع بعد موضع التنفيذ. نعول على التوقعات المشجعة والصادرة عن هذه الهبات الجمالية، نجم الحرم الجامعي.

بلا شك أنها كانت راضية أكثر بكثير في الصفحة رقم 358 من مجلة مودموزيل "أخيرًا نُشرت ’أغنية حب الفتاة المجنونة’ قصيدتى القصيرة المفضلة":

أغنية حب الفتاة المجنونة
قصيدة قصيرة
للشاعرة: سيلفيا بلاث
كلية سميث، 54’

أغلقت عيني، وتساقط كل العالم ميتًا؛
فتحت جفني وولد كله من جديد.
(أظن أنني اختلقتك داخل رأسي).

النجوم تذهب لرقص الفالس بالأزرق والأحمر،
عتمة تعسفية تجول في الداخل:
أغلقت عيني، وتساقط كل العالم ميتًا.
حلُمت أنك سحرتني لأذهب معك إلي الفراش
وغنيت لي ضربات القمر، وقبلتني بجنون.
(أظن أنني اختلقتك داخل رأسي).

أطيح الله من السماء، وخبت نيران الجحيم:
مخرجة سيرافيم ورجال الشيطان:
أغلقت عيني، وتساقط كل العالم ميتًا.
تخيلت أنك عدت كما وعدتني،
لكنني كبرت ونسيت اسمك.
(أظن أنني اختلقتك داخل رأسي).

كان يتوجب عليَّ أن أحب طائر الرعد بدلًا من ذلك؛
علي الأقل عندما يأتى الربيع يهدرون عائدين مجددًا.
أغلقت عيني، وتساقط كل العالم ميتًا.
(أظن أنني اختلقتك داخل رأسي).


في ذلك الصيف، أيضًا، دفعت مجلة هاربر مئة دولار مقابل ثلاثة قصائد إعتمدتها سيلفيا كـ "الأرباح المهنية الأولى." في وقت لاحق مُقيمة هذه الإنجازات كتبت، "كل شيء في كل شيء، أحس أنني انجرف في موجة من الأبداع، النجاح المالي والاجتماعى- الأشهر الستة من التحطم، مع ذلك، كانت قادمة".

هذه كانت الأحداث التي أخذت مكانًا في حياتها في صيف وخريف العام 1953- في وقت الإعدام الإلكترونى لعائلة روزينبيرج، في الوقت الذي كان السيناتور جوزيف مكارثي يحاول فرض سيطرته، في بداية رئاسة ايزنهاور- هذه كانت الأحداث التي أعادت سيلفيا بلاث بنائها في رواية الناقوس الزجاجي. بعد أعوام وصفت الكتاب الذي أرادت أن تكتبه:

ضغوط مجلات عالم الموضة والتي تبدو سطحية بشكل متزايد ومصطنعة، العودة إلى المنزل وإلى الصيف الميت لعالم الضواحي في بوسطن. هذه الشقوق [البطلة، إستير غريينوود] في طبيعتها، كانت منعقدة سويًا بسبب الضغوط المحيطة بها في نيويورك وتلك التوسعات والفجوات التي تنذر بالخطر. نظرتها المشوهة للعالم المحيط - حياتها الخاصة الداخلية الجوفاء، وجيرانها- بدت أكثر وأكثر وكأنها النظرة الصائبة الوحيدة للنظر للأشياء.

بالنسبة إلى سيلفيا جاء بعد ذلك العلاج بالصدمات الكهربائية، وأخيرًا اختفائها الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة، الإكتشاف اللاحق، والإستشفاء المترتب علي العلاج النفسي، والمزيد من العلاج بالصدمات. كتبت: "وقت الظلمة، الإختفاء، الإحباط الأسود كجحيم العقل البشري الذي يمكن أن يكون- ثم العذاب الأليم للتعافي البطيء والتجدد النفسي".

في وقت لاحق عادت سيلفيا إلى كلية سميث مستعيدة "البرونكو القديم الذي ألقت به في حلقة العام الماضي". في بداية الصيف التالي كتبت هذا "فصل من إعادة البناء ينتهي بصلابة لا متناهية، ولو كان أقل تألقًا وازدهارًا من العام الماضي". في نهاية العام الأكاديمي التالي باعت قصائد أكثر، وحازت على جوائز إضافية، وكتبت ورقتها العلمية الطويلة للحصول على مرتبة الشرف في اللغة الإنجليزية حول الشخصية المزدوجة في روايات دستويفسكي. في عام 1955 تخرجت من كلية سميث بامتياز مع احتمال حصولها على منحة لمدة عام من مؤسسة فولبرايت للدراسة في كلية نيوهام في جامعة كامبريدج. هناك قابلت سيلفيا الشاعر البريطاني تيد هيوز، والذي تزوجته في لندن 16 يونيو عام 1956: يوم الزهور. جددت منحة سيلفيا التي حازت عليها من مؤسسة فولبرايت بعد قضائها لإجازة في إسبانيا، عاش تيد وسيلفيا في كامبريدج لعام آخر. ثم في ربيع 1957 انتقلا إلى الولايات المتحدة، حيث تم تقييم سيلفيا من قبل زملائها بأنها "واحدة من أفضل اثنين أو ثلاثة مدربين ظهروا في قسم اللغة الإنجليزية في كلية سميث".

من المرجح أن سيلفيا كانت تحمل نسخة من روايتها "الناقوس الزجاجي" داخل أمتعتها عندما عادت إلى الولايات المتحدة، ولكنها كانت تركز على الشعر والتدريس. في يونيو 1958 تقدمت بطلب للحصول على منحة يوجين ف. ساكستون التذكارية لتكمل كتاب أشعارها. منحة ساكستون التذكارية كانت قد أنشئت لتكريم "الناشرين المتميزين في دار نشر هاربر وإخوانه"؛ الثقة، وفقًا لتقدير الأمناء، تعطى منح غير مقيدة للكُتاب لتغطية تكاليف المعيشة. موافقة جميع الأمناء كانت ضرورية للحصول على المنحة، وواحد منهم، الذي دعا نماذج القصائد "لا تشوبها شائبة"، ألمح إلى أنه، "عند البحث في تاريخ السيدة هيوز، أرى أنها حصلت على جوائز عديدة ألقيت في حجرها خلال معظم حياتها كراشدة. ربما لن تسبب لها هذه الجوائز أي ضرر حقيقي في استكمال عملها لفترة كأستاذة في كلية الفنون. دافعي هو الرفض، على الرغم من أنني أظن أن جودة عملها تخولها أن تؤخذ على محمل الجد". في أكتوبر 1958 كان طلبها قد رفض، مع رسالة خاصة من أمين مجلس الأمناء، والذي أراد أن تعرف السيدة هيوز "طلبك يثير أكثر من الاهتمام العادي. الموهبة- والتي تم رصدها- ليست خاضعة لاختلافنا بصددها، ولكن طبيعة المشروع كذلك".

في هذه الأثناء كان آل هيوز ينتقلون إلي شقة صغيرة في تل بيكون، "العيش بموارد محدودة لمدة عام في بوسطن، والكتابة لنرى ما يمكننا فعله." كانت سيلفيا قد اتخذت القرار الصعب بأن توقف عملها في التدريس، وأن تتخلى عن خططها الأكاديمية التي كانت تعدها منذ الطفولة، في مقابل وجود أقل تحديدًا، والذي كانت تأمل أن يوفر لها مزيدًا من الوقت للكتابة. ولكن، مع تقدم العام، ومع تقديمها كتابها الشعري مرارًا وتكرارًا وتعرضه للرفض، كتبت تحت تغييرات مد وجزر كبيرة:

لا شيء بنتانة رُزمة من الكتابة غير المنشورة، ما يُظهر، كما أعتقد، أنني ما زلت لا أملك دافعًا نقيًا (أوه-أنه-لشيء-مرح-كيف-أنني-لا-أستطيع-التوقف-من-يهتم-إذا-نُشرت-أو-تمت-قراءتي) حول الكتابة ... ما زلت أرغب في رؤيته داخل طقس الطباعة.

في ديسمبر 1959، عاد تيد وسيلفيا للعيش في إنجلترا. في أبريل 1960 ولدت طفلتهما الأولى، فريدا. في النهاية كتاب سيلفيا الشعري، "النّصب"، حاز على موافقة النشر، في شتاء العام، من قبل دار وليام هينيمان المحدودة. لاحقًا تعرضت سيلفيا لعملية إجهاض ولاستئصال الزائدة الدودية، ثم حبلت مرة أخرى. في 1 مايو 1961، قدمت مجددًا لمنحة يوجين ف. ساكستون؛ هذه المرة بغرض اكمال رواية وصفتها بأن المنجز منها هو خمسين صفحة أي سدسها. في الطلب سألت سيلفيا بعض المال لتغطي نفقات "جليسة أطفال أو مربية بأجر يبلغ خمسة دولارات في اليوم، لستة أيام في الأسبوع، لمدة عام، 1560 دولارًا. أجر للدراسة يبلغ حوالي 10 دولارات في الأسبوع: 520 دولارًا في العام. الإجمالي: 2080 دولارًا... (في الوقت الحالي أقيم بشقة من غرفتين بصحبة زوجي وطفلي الذي يبلغ عمره عامًا، وعلى أن أعمل بدوام جزئي لأغطي تكاليف الحياة)" كتبت لصديق أنها كانت "قد أكملت ثلث رواية عن طالبة جامعية تتطور وتمر خلال إنهيار عصبي" كتبت:

كنت أرغب في فعل هذا طوال عشرة أعوام لكن كنت ارتطم بحاجز شنيع في أمر كتابة رواية. ثم فجأة في بداية التفاوض مع ناشر نيويورك بخصوص نسخة أمريكية من أشعاري، تحطم السد وظللت مستيقظة طوال الليل وقد تملكتني إثارة مخيفة، أفكر كيف يمكنها أن تنجز، بدأت في اليوم التالي وأمضيت كل صباح تلى في دراستي المستعارة، كما لو كنت أمضي للعمل، وقمت بتطويرها.

في الصيف، انتقل آل هيوز لديفون للعيش في منزل ريفي مسقوف بالقش، وفي 6 نوفمبر 1961، كتب سكرتير مجلس الأمناء لمنحة ساكستون بأنهم صوّتوا لمنحها منحة تبلغ قيمتها 2080 دولار، "المجموع الذي اقترحتِ" ردت سيلفيا، "كنت سعيدة جدًا باستلام رسالتك الإيجابية اليوم والتي تخبرني عن منحة ساكستون. حاليًا قمت بالتخطيط للاستمرار في كتابة الرواية وقد أتت المنحة في توقيت دقيق ملائم يفرغني لإنجاز هذه المهمة".

في 17 يناير 1962 ولدت صبيًا بإسم نيكولاس. تقسمت الأيام بين الأطفال، العمل المنزلي، والكتابة، لكن في 10 فبراير 1962، سلمت سيلفيا تقريرها الفصلي الأول عن مشروع روايتها لمجلس أمناء منحة ساكستون، كما هو مقرر. "خلال الثلاثة أشهر الماضية تطورت الرواية بشكل مُرضي تمامًا، وفقًا لمسودة خطتي. عملت على عدة مسودات مختلفة لأبلغ نسخة نهائية من الفصول الخامس وحتى الثامن، مكملة 105 صفحة من مجمل صفحات الرواية، وقمت بتبييض كل التفاصيل العامة للفصول من التاسع إلى الثاني عشر". ثم قدمت خطة الناقوس الزجاجي مُفصلةً. بالرغم من أن الرواية كانت تمضي بشكل جيد، اشتكت سيلفيا لصديق، وأخبرته إحساسها بأنها تؤدي القليل من العمل: "زوج من النصوص التي أعجبتني منذ عام ظهرا كعمل كثير حينما أنجزتهما، ولكن في الحقيقة كانا بقع من الإشباع يفصل بينها أوقات ضخمة غير موظفة" في 1 مايو 1962، بتقريرها الفصلي الثاني، لمجلس أمناء منحة ساكستون؛ كتبت، "الرواية تسير جيدًا، ووفقًا للجدول. أنجزت الفصول من التاسع للثاني عشر (أي من صفحة 106 لصفحة 166) وقمت بوضع مخطط تفصيلي للجزء التالي من الكتاب" بحلول يوليو 1962 كان باستطاعتها أن تخبر صديقًا: "أنا أكتب من جديد، أكتب بحق. أود أن ترى بعض قصائدي الجديدة." كانت قد بدأت قصائد أرئيل وكانت واثقة كفاية حد تريد عرضهم، تريدهم أن يُقرأوا، تريد قراءتهم بصوت عالي.
هذه القصائد كانت مختلفة: كان زوجها قد كتب أن "تيوليب" كانت الإشارة الأولى لما كان قادمًا من ذلك الدرب. كتبت هذه القصيدة بدون دراساتها المعتادة حول المعجم، وبسرعة فائقة، كما يكتب المرء رسالة عاجلة. من تلك اللحظة، كل قصائدها كتبت بهذه الطريقة."

في 1 أغسطس 1962، أرسلت سيلفيا تقريرها الأخير لمجلس أمناء منحة ساكستون:

الرواية تنضج الآن، تتشكل تقريبًا كما هو مخطط، وقد أكملت الفصول من الثالث عشر وحتى السادس عشر (الصفحات من 167 إلى 221) وأتمنى أن يمضي الجزء الأخير بشكل مقنع أيضًا.

عقب عطلة في إيرلندا، قرر سيلفيا وتيد الانفصال لفترة. الصيف كان صعبًا. كانت قد تعرضت لهجمات متواترة من الإنفلونزا يصاحبها إرتفاع في الحرارة. بدا شتاء آخر في ديفون مستحيلًا. بدأت بالانتقال إلى لندن حيث "حصلت على عمل في وكالة ال بي بي سي" وبحثت عن شقة. أرسلت مخطوطة الناقوس الزجاجي إلى مجلس أمناء منحة ساكستون في الولايات المتحدة، وهينمان كان قد قبل الرواية في إنجلترا وبعث بها للطباعة. وقبل الكريسماس بأيام قليلة، انتقلت سيلفيا والأطفال إلى لندن، حيث وقعت عقد شقة لخمس سنوات.

... معجزة صغيرة حدثت- عندما كنت في إيرلندا ذهبت إلى برج ييتس في باليريا وفكرت بأنه المكان الأجمل، والأكثر سلامًا في العالم؛ بعدها، كنت أمشي وحيدة حول التل المحبوب لزهرة الربيع في لندن ساهمة أفكر في اليأس التام من إيجاد شقة. ... عبرت منزل ييتس بألواحه الزرقاء "كان ييتس يعيش هنا" والذي لطالما مررت به وتقت للعيش فيه. علامة التسجيل كانت مرفوعة- شقق للإيجار، حلقت إلى الوكيل. بواسطة معجزة يمكنك أن تعرفها فقط إذا حاولت من قبل إقتناص شقة في لندن، كنت أول من يتقدم ... أنا هنا بإيجار لخمسة أعوام وهذا يعادل الجنة ... وهو منزل ييتس، وهذا يعني الكثير بالنسبة لي.

أخذت سيلفيا إيجادها لمنزل ييتس كإشارة. أخبرت صديقًا، أنها عندما ذهبت للبحث عن شقق في ذاك اليوم، كانت "تعرف" أنها ستجدها، وبذلك، وبناء على تلك الموافقة، بدأت في عمل خطط بتأكد حماسي. كانت تعمل على رواية جديدة، وقصائد ارئيل كانت مستمرة في التدفق. وأخبرت صديقًا آخر أنها فكرت في الناقوس الزجاجي "كسيرة ذاتية تمرينية، كان علي أن أكتبها لكي أتخلص من الماضي." لكن الرواية الجديدة كانت عن أحداث أكثر معاصرة في حياتها، أحداث اعتبرتها صلبة، وقوية، وأكثر إلحاحًا.

عندما نشرت رواية الناقوس الزجاجي، في يناير 1963، كانت سيلفيا محبطة من الآراء، على الرغم من أن قاريء آخر، ليس الكاتب وليس تحت نفس النوع من الإجهاد، ربما يفسر وجهة نظر النقاد في الرواية بطريقة مختلفة تمامًا. كتب لورانس ليرنر في مجلة المستمع، "هناك انتقادات توجه لأمريكا أن العصبية تجعلنا أفضل كأي شخص، ربما أفضل، والأنسة لوكاس تجعلنا أروع." ملحق صحيفة التايمز الأدبي لاحظ أن الكاتب "بإمكانه بالتأكيد أن يكتب،" وذهب بالقول لأنه "لو استطاعت أن تصوغ كما تتخيل، ربما أمكنها أن تكتب كتابًا جيدًا للغاية." في نيو ستيتسمان، دعا روبرت توبمان الناقوس الزجاجي "أول رواية أنثوية في حالة سالينغر المزاجية ".

في 1970، والدتها، أوريليا بلاث كتبت رسالة لمحرري سيلفيا بهاربر وروو في نيويورك، حول النشر المتوقع للطبعة الأمريكية الأولى من رواية الناقوس الزجاجي :

أدركت بأن: لا شيء سوف يوقف هذا الأمر، لا توضيح أسباب المعاناة الشخصية التي سوف يحدثها النشر هنا [نشر الناقوس الزجاجي في الولايات المتحدة] في حياة العديد من الأشخاص بل ولا بسط أي أسباب أخرى، لذا لا يجب عليَّ تضييع وقتي ولا وقتكم في الإشارة للتداعيات التي لا مندوحة عنها... أريد أن أخبرك عن إحدى آخر المحادثات التي أجريتها مع ابنتي في بداية شهر يوليو، 1962، قبل أن ينهار عالمها الشخصي. أخبرتني سيلفيا عن الضغط الذي تتعرض له للإيفاء بالتزامها لصندوق منح جائزة يوجين ف. ساكستون. كما تعلم، كانت تحصل علي منحة من جهتهم لتمكنها من كتابة رواية. في غضون الوقت المخصص لذلك، قامت بالإجهاض، وأجرت عملية استئصال الزائدة الدودية، وأنجبت نيكولاس، طفلها الثاني.

"ما فعلته"، تذكرتها تقول، "هو رمي أحداث حياتي الخاصة سويًا، أتخيل لأضع لون- إنه قِدر مرجل حقًا، لكنني أعتقد أنه يظهر مدى عزلة الشخص الذي يعاني انهيار عصبي ... حاولت أن أتخيل عالمي والناس الذين فيه بالنظر خلال العدسة المشوهة للناقوس الزجاجي". ثم أكملت لتقول، "كتابي التالي سوف يظهر نفس العالم منظور إليه بعين معافاة". عمليًا كل شخصية في الناقوس الزجاجي تمثل شخصًا ما- غالبًا في صورة كاريكتورية- ممن تحبهم سيلفيا؛ كل شخص أعطاها مجانًا: وقت، فكرة، عاطفة، وفي حالة واحدة، مساعدة مالية خلال تلك الأشهر الستة المؤلمة التي عانت فيها من الإنهيار العصبي في عام 1953 ... بينما يقف هذا الكتاب وحيدًا، فإنه يمثل أحط أنواع الجحود. هذا لم يكن أساس شخصية سيلفيا؛ بل كان هو السبب في أنها أصبحت خائفة جدًا حينما حل وقت النشر، هذا الكتاب كان مقروء بشكل واسع وأظهر علامات لصيره ناجحًا. كتبت سيلفيا لأخوها "هذا الكتاب لا يجب أن ينشر أبدًا في الولايات المتحدة". العنوان الكبير للكتاب "الناقوس الزجاجي" يجب أن يشمل ضمنًا ما أخبرتني به سيلفيا، وهذا ما يجب على القارئ الماهر استنتاجه ...

كان أبرد شتاء مر على لندن منذ شتاء 1813-1814. الضوء والحرارة اختفيا في تقلبات مفاجئة. تجمدت الأنابيب. كانت قد تقدمت، وإسمها كان على اللائحة، لكن التلفون لم يتم تثبيته بعد. في كل صباح قبل أن يستيقظ الأطفال في الثامنة، كانت سيلفيا تعمل على قصائد آرئيل. هنا الإحساس بالتجربة البشرية كشيء مروع ولا يمكن السيطرة عليه، الإحساس بأن كل العلاقات سطحية وبلا معنى، أتى ليسيطر على خيالها. رغم ذلك فقد كتبت بكثافة، على قناعة بأن ما تكتبه الآن لا يمكن لأي أحد آخر أن يقوله.

دائما كانت هناك حاجة لتكون عملية، لإيجاد وقتًا للتعبير المتعمد عن الكآبة. كتبت سيلفيا، "أشعر بأنني مثل أداة فعالة جدًا، أو سلاح، مستخدم ومطلوب من لحظة للحظة ..." كانت ترى طبيبة وصفت لها مهدئات، ورتبت لها موعدًا مع معالج نفسي. كتبت للحصول على موعد وكتبت كذلك لطبيبها النفسي في بوسطن. مشكلة إلتهاب الجيوب الأنفية تنامت لديها بشكل متكرر. كانت قد صرفت جليسة أطفالها من العمل وتبحث عن بديلة لها "لتساعدني في رعاية الأطفال في الفترة الصباحية لكي أستطيع الكتابة ... المناوبات الليلية ليست جيدة، أكون مُرهقة تمامًا بحلول ذلك الوقت، كل ما يمكنني التعامل معه هو الموسيقى والبراندي والماء".

على الرغم من مساعدة الأصدقاء وتحسبًا لفصل الربيع (كانت تخطط للعودة إلى المنزل في ديفون بحلول شهر مايو)، كانت يائسة ومريضة. لكن القصائد استمرت متدفقة، حتى في الأسبوع الأخير من حياتها- عدة قصائد استثنائية. بدت لهؤلاء الذين من حولها وكأنها لا تريد الإستسلام. في كثير من الأحيان بدت مشرقة، ومبتهجة، ومليئة بالأمل.

ومع ذلك، في صباح يوم 11 فبراير 1963، أنهت حياتها. من يستطيع أن يفسر لماذا؟ كما كتبت سيلفيا في وقت سابق بالصفحات الأخيرة المتفائلة في رواية الناقوس الزجاجي:

كيف أعرف أنه في يوم من الأيام- في الكلية، في أوروبا، في مكان ما، في أي مكان- الناقوس الزجاجي بتشوهاته الخانقة، لن ينحدر مرة أخرى؟

-هذا الناقوس الزجاجي، من بين ما كانت يومًا تقاومه ببراعة، بنجاح، نجاح تام على ما يبدو، لكن عبر الذي بإمكانها كتابته بذاك الوضوح الذي يتوافر لشخص يعاني: "للشخص الذي في داخل الناقوس الزجاجي، فارغ ومتوقف كطفل ميت، العالم بحد ذاته هو حُلم سيء". 












1 comment:

  1. شكرا على الترجمة الراقية والإختيار الأنيق للتعريف بالشاعرة الموهوبة ...عملت على ترجمة بعض أشهر قصائدها ..صورها الشعرية جميلة وقوية ومعقدة ..

    شكرا لك
    إبراهيم فضل الله

    ReplyDelete